السؤال:
استقمت منذ 4 سنوات، ودائمًا أحاول وأجاهد نفسي في أن أكون بارًّا بوالديّ الكبيرين في السن، أجتهد وأجتهد ودائما أشعر بالذنب وأني مقصر معهما.
فهل هذا الشعور يفيد أنهم غير راضيين عني أم أني عاق لهم رغم أنهم لا يشعرونني بأنهم غير راضيين عني، ولكن ربما أنا أشعر بالذنب؛ لأني لم أتوفق في حياتي الزوجية، علمًا أني مررت بحالة نفسيه في المدة الماضية، ولا زلت أعاني منها قليلًا. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
أشكر لك تواصلك مع الموقع وثقتك بالقائمين عليه وأسال الله أن يعيننا وإياك ويوفقنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا. مما يبدو من سؤالك أنت تبذل ما في وسعك للبر بوالديك ولم يظهر منهما ما يشعرك بالتقصير في ذلك، ولكنك في داخل نفسك تشعر بالتقصير بشكل دائم. وأنا اعتقد أن ذلك مجرد شعور داخلي سببه حرصك وخوفك من الله تعالى، نحسبك كذلك والله حسيبك. ولكي تتضح لك الصورة أحب أن أذكر لك ما يلي:
- حقوق الوالدين على الأبناء عظيمة وهي تلزمهم طوال حياتهم وحتى بعد أن يتوفى الوالدان. فهناك نوع من البر ينبغي فعله بعد وفاتهما كالدعاء لهما والبر بأرحامهما وزيارة أصدقاءهما وما إلى ذلك. ومهما فعل الإنسان وقدم في سبيل ذلك من الأعمال والتضحيات فهو لن يقدم إلا جزءا يسيرا مما يستحقانه. ولكن فضل الله عظيم ورحمته واسعة وهو يضاعف الحسنات ويجزي على العمل القليل الأجر العظيم. وإذا فعل الإنسان ما في وسعه وقدم أوجه البر التي يمكنه القيام بها فإنه بإذن الله لا تثريب عليه. ولكي تعرف الحقوق الأساسية للوالدين التي لا ينبغي التهاون فيها أو التفريط بشأنها فيمكنك القراءة في كتب العلم عن بر الوالدين وطرق تحصيل ذلك. ثم تقارن بين ما تقرأه أو ما تسمع عنه من أوجه البر وبين ما تقوم به أنت فعلا تجاه والديك، وبالمقارنة يتضح إن كان منك تقصير أم لا.
- الشعور المستمر بالتقصير في حق الوالدين هو في أصله أمر ايجابي وهو يدفع للمزيد من العمل وأداء الحقوق. لكن هذا الشعور يجب أن لا يزيد عن حده فينقلب إلى شيء مختلف. إن كان هذا الشعور يدفعك إلى لوم الذات وتأنيب النفس وتقريعها واستحقارها أو الشعور المستمر أو المتكرر بالتضايق أو الاضطراب النفسي فإنه حينئذ يتحول إلى أمر سلبي، ويجب عليك حينها أن تعالجه وتعود بنفسك إلى طبيعتها وتضع حدا لهذا الأمر.
- الابتلاءات التي يتعرض لها المسلم في هذه الدنيا لا عد لها ولا حصر. فقد يبتلى في صحته وفي أهله وماله وولده. وليس صحيحا أنها دوما عقوبات على تقصير الإنسان في جناب ربه أو نفسه أو والديه، بل قد تكون دلالة على محبة الله- عز وجل- لعبده، وفي الحديث: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم... يبتلى الرجل على حسب دينه» الحديث. ومشكلتك الزوجية ربما تكون من هذا القبيل.
- أنت تقول أنك مررت بحالة نفسية في الفترة الماضية ولم يتضح في سؤالك أكثر من ذلك، وأنا أقول: التعب النفسي الذي مررت به قد يكون مسئولا عن شعورك المتكرر بتأنيب الضمير تجاه والديك وقد يكون له دور في مشكلاتك الزوجية وغيرها من الأزمات التي تمر بك. حاول أن تحصل على استشارة طبية لدى الطبيب النفسي أو المستشار النفسي لعلها تكون بداية صحيحة لحياة أفضل. وفقنا الله وإياك لكل خير.
الكاتب: د. محمد العتيق.
المصدر: موقع المسلم.